يامن احب اين انا من بحرك

عندما أفكر فى حبك لا تفارقنى صورة البحر وموج البحر ليس فقط فى تقلبه السريع ما بين القرب والبعد، والاشتياق والذهد، ولا فى سرعته لملاقاة الشط ومعاناقة الرمل وسرعته فى الابتعاد عنها سريعا كما جاء.... وكأنه يأتى ويرحل فى نفس اللحظة، يعانق ويودع بلمسة واحدة، وكأنه حبيب بخيل على محبوبه فى اقترابه وبعده...

عندما اذكر حبك اذكر البحر بما يلقيه على السطح، وما يحتفظ به فى العمق. فالبحر دائما يثير التساؤلات ولعل الف باء سؤال واستفهام يبدا منذ الصغر عن البحر ويستمر فى مكان ما من الذاكرة، هو كيف يحتفظ البحر بسفينة ضخمة ولا يقدر على حمل مسمار صغير

سؤالى بالطبع ليس عن احاجى الطفولة وان كانت مرتبطة بك وبحبك

لماذا يحتفظ البحر بأشياء فى أعمق الاعماق ويلفظ اشياء أخرى على سطحه وعلى الشاطئ بمنتهى السهولة؟ فالبحر يحتفظ بأشياء ويلفظ أشياء، فى الغالب يحتفظ بما هو ثمين ونفيس ويلفظ ما هو أقل من ذلك قيمة،، أهو معيار البحر وقانونه؟ وهل ينطبق هذا القانون على البشر؟ وعلي؟ وعليك؟

أو ان شئت الدقة ما هو قانونك؟ كيف أعرف ما فى عمقك وما فى سطحك؟ كيف أعرف مكانى من عالمك من بحرك؟

كل منا بالنسبة لى بحر، كل منا فى داخله عالم متقلب أحيانا ما بين الشئ ونقيضه، ما بين الحب والكره، وبين الرحمة والقسوة، وبين الرغبة والهجر!!! وما بين الاشياء وداخلها مساحات من التدرج فى الالوان ما بين النقيضين: ما بين درجات الرغبة وألوانها، وبين درجات الحب ولهفتها، وما بين دركات الاهتمام والاهمال..... والمساحات بينها شاسعة

ولكل منا كالبحر طبعا غث وثمين. لكل منا شئ فى القاع فى الأعماق وأشياء أخرى تتفاوت فى درجات العمق حتى نصل لأشياء تتواجد على قشورنا فقط على السطح لا نهتم كثيرا سواء استمرت أو لا، بل قد نسارع نحن أنفسنا بالالقاء بها فى أول فرصة

فقيمة المكان الذى نحتفظ بالشئ فيه مرتبطة بدورها بدرجة التمسك بهذا الشئ، برؤيتنا له وتقديسنا لمكانته وقيمته، بالجهد الذى نبذله للحفاظ على قيمته

حتى الاشياء التى فى أعماقنا بدورها مختلفة القيمة والأهمية. بعضها فى مجاهل مظلمة لا نسمح لأحد أن يعرف بوجودها وربما فى أحيان أخرى لا نسمح لأنفسنا أن نعترف أو نحس بوجودها، نتركها اشبه باسماك القاع المظلمة التى تفقد من تعودها على الاظلام قدرتها على الرؤية وتعيش فى ظلام متناغم ملئ رغم ذلك بالحياة.

احيانا يكون هذا الاظلام الاختيارى بحكم عوامل خارجية تجعل الاعتراف بما هو ثمين عامل مهدد لاستمراره، أو للحفاظ عليه بنفس القيمة التى نشعرها له. كأنه جواهر ثمينة مهددة بأن تفقد قيمتها اذا ارتدتها كل النساء، أو كلمة حب عندما تقال للشخص الخطأ أو فى التوقيت الخطأ فنفقد الاحساس بقيمة الشخص الذى أحببنا والمشاعر التى أحسسنا والأحلام التى حلمنا!!

لا ينكر هذا طبعا وجود مساحات اظلام اختيارية أخرى نحتاجها حنى نستطيع الاستمرار فى الحياة. كالتغاضى عن مساحات الم ضخمة لم يكن من الممكن استمرار الحياة بها، فى هذه الحالة تتواجد تلك الذكريات فى مساحات دفينه أيضا ولكنها على العكس مساحات مظلمة وباردة ولا حياة فيها. الاظلام هنا ليس مجرد خفوت الضوء ولكن خفوت وموت الروح. الاظلام هنا ليس للحفاظ على أشياء قيمة فى دفء ورعاية وحماية وخوف من رؤية الأخرين لها, ولكنه اظلام موت المشاعر والاحاسيس

قد تتفق مساحات الاظلام فى انها ايجابية فالاولى تسعى للحفاظ على اثمن ما نملك بعيدا عن أى عوامل تشوه ممكنه أو محتملة، نرغب فيها بالحفاظ على الحب وصورة المحبوب كأنقى ما يمكن وأثمن ما يكون، والثانية اظلام بهدف توليد الحياة أو بمعنى أصح أعطاء الحياة فرصة للاستمرار

ولكن الاختلاف الاساسى بينهما ان الاظلام الاول اظلام سعيد يسمح لنا من وقت لأخر بالتلصص على ما نملك داخلنا من كنوز ثمينة، حتى وان لم نكن قادرين على التحلى بها علانية فهى تبقى ملكا لنا محمية فى داخل بحارنا العميقة وبالأصح فى داخل قلوبنا

اما الاظلام الثانى فهو اظلام نابع من الم، من رغبة فى دفن ذكرى مؤلمة وفى أحيان كثيرة يكون اظلام رغبة فى نسيان ذكرى لما كان فى السابق كنز من كنوزنا المحفوظة فى مياهنا العميقة للحماية عندما نخطئ فى التعامل معها وحمايتها فتتحول من كنوز حية ونابضة الى بقايا مؤلمة وقاتلة نسارع الى حفظها فى مقبرة البحر علنا ننسى ونبرأ ونحيا من جديد.

وبهذا يصح القلب هو الجزء من بحارنا الذى يضم مقبرة الامال ومقبرة الالام!!

فى بحرى يملئ حبك منفردا مساحة العمق الدفين النابض بالحياة كالجوهرة المحمية عبر السنين، والتى تزداد قيمتها كلما مرت عليها الأعوام.. تتغير السنين ومعها تنمو لصورة أفضل واحلى لأنها محمية من عوامل التغير التى يمكن ان تشوهها.

حبك عندى اذن هو الشئ الساكن فى العمق الدفين لبحرى الخاص، هو ما لا ارغب فى البوح به. واذا استطعت ان ابوح به للعالم فلن استطيع ان ابوح به لك انت!!

لا اقصد بهذا نوع من التحدى أو العند ولكن هنا تنتهى حدود بحرى الخاص وتبدأ حدود بحرك.
تنتهى معالم رسم مكانك داخل بحرى، وتبدأ مساحة السؤال عن مكانى داخل مياهك؟

هل انا فى العمق أم على السطح؟

هل انا اللؤلؤ الذى تحتفظ به فى عمق مياهك؟ الجوهرة التى تسعى للحفاظ عليها، الصورة التى ترغب فى الا تتشوه؟؟ أم مجرد رغبة تتواجد على سطحك وتنتهى بمجرد أن تلمس رمال الشاطئ لتبحث عن شاطئ جديد؟؟

الحب كالدر وما عداه هباء....وعندى انت الحب، فهل يمكن ان تقول لى اين انا منك؟



اتمنا ان ينال اعجابكم